قراءة في كتاب إدارة الأزمات العابرة للحدود مداخل استراتيجية لتحويل المخاطر إلى فرص لإدريس الكريني

إن كتاب الباحث ادريس الكريني يمثل واحدا من أهم الأعمال التي ستصدر في العالم العربي على امتداد الساحة الثقافية، حيث ظل هذا الموضوع حوارا في أروقة الجامعات القانونية والإنسانية، يدور حول مواقف الباحث الفكرية والدولية، حيث تحمل نوعا من أنواعالاتساق مع مشروعه المهم لتقويض الأفكار القيمية، من هنا يمكن النظر إلى هذا الكتاب على أنه شاهد حي على فلسفة الإنسان المعاصر، والتحولات التي أصابته من جراء العاصفة الرهيبة التي أصابت العالم، تركت آثارها على افريقيا وأسيا، وأمريكا، وأوروبا، بشكل عام وعلى العالم العربي بشكل خاص.
يحاول ادريس الكريني أن يؤكد الأمر اللاحق وهو أنه لم يسأل نفسه السؤال التالي لماذا الأزمة؟ وما هي خصوصيتها؟ وما علاقة هذه الأزمة بالحرية؟ وهل هذه الأزمة ضرورة حتمية.
لقد كان التحدي الذي واجه ادريس الكريني ولازال، هو إمكانية تقديم حلول متناهية للواقع الإنساني، تصنيفات تعتمد على دعائم موضوعية من فهم الواقع، وكذا فهم آلياته، وكذا التنبؤ بمتغيراته الجيوسياسي والسوسيو الاقتصادي، والسوسيونفساني، وفي إطار البناء لهذا الطرح المنهجي جعل ادريس الكريني يعيد النظر في الأساليب الدولية لتحليل وتنظيم هذه المعطيات قصد تغييرها وليس تفسيرها، فالباحث حدد بعض مصادر الأزمة المرتبطة بمتغيرات الدولية، والوطنية والعالمية من أجل إيجاد صيغة تجريبية التي تهتم بالإدراك والملاحظة كمصدر أساسي لمعرفة هذا الواقع المعاصر، والاتجاه العقلاني الذي يرتكز على دلالات المراجعة والنقد التفكيكي حسب تعبير بيير بورديو(1).
فالاتجاه المعرفي بات هو المصدر على مستوى التصور المنهجي لدى الباحث، وثانيا فهم الوقائع والأحداث المنبثقة من الواقع (التطرف — الإرهاب — الفقر — الأسلحة — كورونا…). فهذه المفاهيم تبقى كعملية كبرى التي تبدأ بها المعارف والمناهج وتنتهي بالترتيب والتسلسل والتنسيق للوقائع لكي تتخذ صور وقوانين وأنظمة علاماتية، لهذا اهتم ادريس الكريني بالبعد النظري والتطبيقي لكي يعيد النظر في أفاق غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، لحل مشكلات — الصحة، الغذاء السكن، الاتصال، التنمية، لكن ولدت مع الاستغلال، والتدمير والاستبداد، والانهيار الروحاني.
إذن بماذا ينبغي أن نسمي العالم؟ وماذا إذا كان العالم ينمو بشكل غامض على مثل هذا الضرب؟
سؤال دريدي يقربنا من المفكر والباحث ادريس الكريني لمعرفة أسس العلاقات الدولية بكل مفاهيمها وقضاياها المعاصرة كما يقول في عنوان الكتاب، فالباحث في متونه تحدث عن بعض الاستراتيجيات العالمية، كلوكربي، وأحداث 11 شتنبر كلها قيم ودلالات تندرج تحت التساؤل والذي من خلاله سوف نتحدث عن هذه العناوين التي تتخذ شرعية وضرورة بديهية لمثل نقطة الانطلاق تلك في مسألة التفكير في الوجود البشري القادر على طرح الأسئلة كي يسمح لنا فهم الوجود البشري الموجود في تاريخ الميتافيزيقيا الدولية، وكذا الوجود الإنساني المعاصر، إذن فالواقع يتكون من الممارسة، والنظرية، لأن النشاط الإنساني يشكل بدوره إبداعا وسلوكا وتاريخا وحداثة وتمردا وتطرفا، وتسلطا، واستبداد، لأن كلمة أزمة لمتظهر إلا في القرن 4 قبل الميلاد، وتحول المفهوم إلى المعاجم الطبية، وفي القرن 17 هاجر إلى العلوم الإنسانية ليتخذ بعدا اجتماعيا أو نفسيا أو ثقافيا، فالأزمة هي خلل بنيوي غير متوقع، مما يؤدي إلى صعوبات معرفية، وبنيوية فلابد من البحث عن وسائل لإدارته كما يؤكد ادريس الكريني، فالأزمة ترتبط بالأحداث إما جوهرية ينبغي معالجتها، كــ(الاحتجاجات عن المدرسة — الصحة — الشغل) أو عن موقف يهدد النظام في حدوده كما نرى الآن.
ونجد أيضا أزمة روحانية التي لا تعرف عنها شيئا كـ(التطرف — الإرهاب — الخلايا النائمة) أي كل ما يتعلق بالفكر، لأننا لا نعرف كل شيء عن هذا المفكر المحجب، ولا نجد برامج لمنع الأزمة من الوقوع فيها كما يرى ادريس الكريني. فالمحددات النابعة من القوى الداخلية والخارجية جعلت الباحث يرى أن التشكلات والسياسات اتجاه المنطقة خلقت استراتيجيات بنيوية تتفاعل من أجل تحديد النظام الدولي المهيمن.فادريس في متونه:كقضية لوكربي، وإدارة الأزمات في عالم متغير، وتدبير أزمات الحوار الديمقراطي والتداعيات الدولية الكبرى لأحداث 11 شتنبر، وأخيرا إدارة الأزمات العابرة للحدود لتحويل المخاطر إلى فرص، فهذه العناوين كما قلت هي عبارة عن عتبات عليا التي من خلالها نلج إلى هذا العالم لطرح الأسئلة: كيف نقرأ هذه العناوين؟ وهل العنوان يمدنا بالخلاصة؟ أم هو فاتحة لنهاية؟ وإلى أي تيار فكري ينتهي هل إلى التيار النسقي أم النظمي أم السلمي؟
إنها محددات سياسية لقوى دولية جعلته يساير كل اللحظات الإفرازية منذ سقوط لوكربي إلى أزمة 11 شتنبر إلى الحوار الديمقراطي ووصولا إلى جوهر الموضوع من أجل فهم إلى أي يسير العالم؟ هل نسير إلى الهوية كما يقول ادكار موران في كتابه(2) الذي يحمل نفس العنوان أم نحن نسير في طريق العالم الجديد كما تصوره أمريكا وحلفاؤها،لأن هذه العناوين مزقت كل الأطروحات التي لا تتساوق مع شروط المعرفة الموضوعية، كأطروحة فوكو ياما، وصراع الحضارات لهيد نكتون، وكذا الفكر الماركسي، واليساريبيير بورديووألتوسيرفهذه الأزمات ينبغي أن تكون هناك قطائع لفهم من نحن وكيف نبني ذواتنا؟ وكيف تحول المخاطر إلى فرص؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة جعلت الكريني يفكك العالم والوجود، لأن قراءة هذا العنوان الفرعي الذي يندرج في مقصدية تملى نفسها علينا،وتخترقنا كصدىملعون يحايث الممكن والمتعالي، وتحتل التجربة الموضوعيةلا تحتجب، بل تأخذ شرطها الذاتي الذي يمنحها القدرة على استيعاب الحركةوالدينامية، وهذا الشرط الموضوعي هوإظهار لاعتباطية الكثافة الذي يظهركمعرفة وكسند يجعل من الضرورة ليس مجرد بعد صدفوي، بل جوهر يعريالفراغ ليمسك به كامتلاء، وليسمح لنفسه التحاور والانفتاح كأفق رحب، حيث يجدفيه المؤلف استمراريته التأويلية في شكل حركة مستمرة للاستبصار الرمزي. منهذا المنظور إذن نتساءل: ما علاقة النقد بهذا المفهوم؟ فالسؤال لا يصيرسؤالا إلا داخل الشرط الإفهامي الذي يربط بين الإمكان والوجود والزمن والواقع(3)،ويكون هو المنبع الذي يجعل الصدفة ضرورة ممكنة. فالقراءة لا تقيم في المغلق،بل تنخرط في النص بكل أضلاعه الممكنة، وفي وضعية غير مهادنة تسمح لنابالمعاودة والبحث عن الشروط الموضوعية. إنها القراءة التي تدخل المعرفةكهدف وكوسيلة، فهذه المعرفة النقدية تتحدد من خلال ميزاتها المتمثلة في إمكانياتها والتحقق منها، فالواضح أنهذه القراءة كما قلت أمكنه بدراسةمجموعة من النصوص في سياقها العام، لأنها محاولة إبراز الإطار العالمي والمرجعي الذي تقوم عليه هذه التأويلات، وبيان وجهات المقاربة والمفارقة التييخلقها وبثيرها هذا المفعول التحققي في الكيفية التي يمكن أن نقيم بها قراءةموضوعية أفضل من قراءة الإحساس والتاريخ، ودون أن نسقط في الذرائعيةوالخطية، وبالمقابل كيف استطاع الكريني أن ينفلت من فلسفة للذات دون أن تسقط في فلسفةللموضوع؟ حسب تعبير “ميشال فوكو”.
لقد توجه الباحث إلى تاريخ الأفكار ليعالج وليكشفعن مدى سلامته ومقدرته على كشف العلاقة المتراصة بين النص الأساسي المرجعيوالموازي، غير أن هذا الفحص المعياري لم يجد ما يستحق الركون إليه، ذلك أنهبنظرة واحدة في هذا الركام المبعثر على أرضية البحث، سيجد الباحث نفسه فيحدود مرسومة بكيفية مطلقة، دون تحديد ولا يقين، ومن ثم يسقط البعدالموضوعي في التبسيط والتعميم الساذج الذي بمنح لنفسه بادعاء الوسيطوالتبادل وتكسير الأوهام في المجالات الفكرية والتعبيرية الدولية لأزمات والفرص.
لهذا فلدراسة هذا التعالقبين الباحث والموضوعية، ينبغي التخلي عن تاريخ الأزماتورفض مسلماتهاومحاولة إقامة تاريخ آخر لما قاله الإنسان حسب تعبير”فوكو”. لأن هذا الطابع الإلغائيللأزمة يدخل في صراع مع الذات، كمقولة مرافقةلصراعه ضد الاستمرارية التاريخيةويقول “رولان بارت”: “هو نقد يرفضالارتباط بالإيديولوجيا ليؤكد موضوعيته”(4). فهذه المغامرة هي إقرار ذاتي يكونخارج اللغة، أي ما بعد الكلمة، وكل ما يجعل الذات تحوز على امتلاء مدلولاتهاوهي تلتقط الخارج.لأن هذا الطرح يكون هو الضامن للتأكد من جودة هذه القراءة، التي هي نوع من الترميق الذاتي، وممارسته انطلاقا من مجموعة منالأدوات التي يمكن تسميتها بخطاب على خطاب(5). فادريسالكريني يعمل دوما على التحرر من المقاييس ليشكل اختيارا يحقق حريته دون أن يفصله عنذاكرته، ذلك لأن النقد إشارة جامعة وشاملة تحمل استمراريتها داخلأنويةواقعية ولسنية وتشكيلية بصرية، ولتتوجه إلى الواقع، بحيث تشكل بواسطتهكل الرؤي، لتنبثق منه بموقع يجعل الناقد يلتحم بالتاريخ والثقافة حسب تعبير”رولان بارت”(6)، وهو لا يهتم إلا بالبعد المعياري الدولي، بل يبحث عن كل مايجعل المجتمع واللغة والذات، عبارة عن مواضيع، وعن تفكير في الإنسان. ففكر ادريسهو تفكير في الذات وفي وجوديته، فهو موضوع مستبطن من الذاتومتأمل بواسطة الموضوعية، أي يتكلم عن نفسه بطريقة الذاتية، أي يبتعد عنالالتزام بمفهوم القطيعة، وينخرط في الذات الكلية برؤية هيجيلية التي تمنح الذاتالمتعالية والتي تبيح لنفسها الانتشار كحيز متحرر من حدوده وينفتحعلى نفسه كأفق لها، فيجد فيها ذاته كفعل دينامي ينغمس فيه من حيث هوامتلاء، ومن حيث كونه يحث على هذا الامتلاء كجوهر وكأساس، فليس البحث إلاعبارة عن إمكانية ضرورية تنتشر خلفها، أيأن هذا الطرح يمنح لغيره ما لا يستطيع أن يعطيه لنفسه، وليجعل من خلاله صدفةللضرورة الموضوعية الممكنة في إطار تاريخية يستطيع البعد التحليلي بمكانةبارزة للتنظيمات الداخلية ولارتباطاتها ولتسلسلها ولعلاقتها الوظائفية. وسيصبحالموضوعي هو العتبة الإبستيمية والأساس الذي تنتظم فيه كل الأفكار، والإطارالعام الذي تستقر فيه كل النظم. ذلك أن التاريخية حسب “فوكو” “ستشكل فيه أكثرمن مجرد شكل احتمالي للتتابعاتفقط حيث تشكلت هاته التاريخية كنمط أساسيللوجود”(7).
هكذا فإن ادريس الكرينيلا يرفض المكون التاریخي الدولي، ولا يحدد مكانالمحتمل (العرض) إلا في حدود وضعه العميق، لأن هذا الفهم الخاصللتاريخ هو الذي سيقوده إلى إعطاء مكان لمفهومالناقد، وهو الذي سيولي الإنسان بالتفضیل عن الأشياء. حيث سيصير الإنسان في رحابهنواة للوجود، وقانونا عاما شاملا للموجودات، لذا سيصير وجود الأشياع وهماأساسا يجب الكشف عما يخفيه لمعرفة الوجود الحقيقي. كما صار الناقد هو الكائنالمختفي الذي يستخرج ما هو غير مدرك، حتى يصير البعد الوظيفي ذو فعاليةوذو يقين ضروري،فأصبح هذا العمق الاسترجاعي وهاته الموضوعية هما مايؤسس الإمكانية الخارجية للترتيب، وبذلك يختفي مشروع “الوصيف الساذج” بكلقيمه التنظيمية والتأسيسية، وعلى هذا الأساس عمل ادريس الكريني على إلغاءبعض القضايا الإبستيمية ليبرز الشروط والقبليات التي تمحورت فيها الأبحاثحول الإنسان، لأن أبحاث تحكمت فيها قطيعتان كما قلت:
1- القطيعة الأولى تمثلت في بداية الستينيات والسبعينيات.
2- والقطيعة الثانية تمثلت في الثمانينيات والتسعينيات إلى يومنا هذا.
فهذه القطائع دشنت تاريخ الإنسان معلنة بروز البحث حول عمقالنظريات والتنظيمات السياسية، وتشابكات الوظائف وتسلسلها في باطن النصوص الاجتماعية والسياسيةوالدولية،غير أن الحديث عن البداية الستينية لا تكفي في فهم الأبعاد العميقة لهذهالمرحلة، ذلك أن البحث عن الإنسان والقضية لا يكشف إلا عن جزء فريد تربطهفي ظل هذا الفكر علاقات إبستيمية قوية، مع جوائب أخرى لا نقل غنى وقوة فيتحديد شروط هذا المسار النقدي. فلقد ظل الحديث عن الإنسان القضية في مختلفأحواله لا ينفصل أبدا عن موضوع القضايا الاجتماعية وعن الأبعاداللغوية. حيث ظلت التقاطعات والتداخلات تجمع بين مختلف هاته الأبعاد لتكشف عنشبكة من التعقيدات التي تتضمن في باطنها أرضية خصبة تحكمت في إبستيميةعصر العولمة، وهذه الشبكة شكلت النسق المفضل في إيجاد صيغة منهجية والفرص التي ينبني عليها النظام الكلي لمعرفة الأزمة،وهذه العملية تسعى بشكل جوهري إلى عدم حصر البعد الذاتي التأملي، وعدم استبداله بالنسق، لأن كبت الاختلاف واستبداله بالتطابق، لا يمد العملية النقدية الاجتماعية بمنهجية مفتوحة كأقصى درجات الإمكان، على اعتبار أن الاختلاف هو الماهية الذي يلغي العرضي والثابت، ويعطي للقوة المكشوفة صورة إيحائية تموقع المحتمل في المتخيل كأداة للتواصل، ووسيلة يسمح لها بإقامة التبادلات، ويقيم المفارقات ما بين الكائن والممكن، لهذا يقيم ادريس الكرينيالموضوعي قاعدة إدراكية التي هي عبارة عن استمرارية غير تماثلية، الأمر الذي يؤدي إلى بلورة نظرية إيقاعية تجمع بين مختلف أجزاء القضية، لأن الدور النقدي الأزموي لا يعمل على البعد اللانسقي والتصنيف المختلف الذي يدخل تحت خاصية الإمكان واللاتناهي، وكل نقد موجود يمكن إدراجه في بوثقة اختلافية، والنظام لا يعطي لهذه الكلمات التي أودعت على سطح الأشياء، والتي تدل عليها بلاغة التوصيل الفعلي، لكي يتحصل من خلال تدارس الحدود كبنية دالة، وكعتبة التي من أجلها نعرف ما هي الأزمات؟ وكيف يتم تدبيرها بشكل موضوعي؟ وكيف نعيد لهذه الأزمة العابرة فرصة البناء دون السقوط والانهيار، وما هي هذه الفرص؟ وما علاقة هذه الأزمات بالهوية الثقافة والعولمة؟ هل الأزمة التي يعيشها العالم هي أزمة عابرة أم عضوية. حسب ادريس الكريني؟ فالباحث تطرق إلى الأزمة بين العولمة والهوية الثقافية كنسق فكري وجلي يوحد بين الذات والموضوع، وبين الأزمة والفرص لذا يمكن تعريف العولمة الثقافية بأنها محاولة مجتمع ما تعميم نموذجه الثقافي على باقي المجتمعات الأخرى، من خلال التأثير على المفاهيم الحضارية والقيم الثقافية والأنماط السلوكية لأفراد هذه المجتمعات بوسائل تقنية واقتصادية وثقافية متعددة:
– فما هو مفهوم العولمة والثقافة والهوية الثقافية؟
– وما هو البعد الثقافي لظاهرة العولمة؟
– وما هي انعكاساتها على القيم والهوية الثقافية الوطنية أوالقومية؟
I– مفهوم العولمة والثقافة والهوية الثقافية:
1) تحديد المفاهيم:
* العولمة: لغة هي تعميم الشيء ليكسب صفة عالمية، واصطلاحا: سيادة نموذج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي موحد على الصعيد العالمي(8).
* الثقافة: هي منظومة حركية ومتجانسة من القيم والتقاليد والعادات والأحلام والآمال والإبداعات، وهي المعبرة عن خصوصية مجموعة بشرية معينة في الزمان والسكان وليست هناك ثقافة واحدة وإنما تسود أنواع وأشكال ثقافية منها ما يميل إلى الانغلاق والانعزال ومنها ما يسعى إلى الانفتاح والانتشار.
* الهوية الثقافية: هي نظام من القيم والتصورات التي يتميز بها مجتمع ما تبعا لخصوصياته التاريخية والحضارية، وكل الشعوب البشرية تنتمي إلى ثقافة متميزة عن غيرها وهي كيان يتطور باستمرار ويتأثر بالهويات الثقافية الأخرى، ولهذه الأخيرة مستويات ثلاث:
– هوية فردية
– هوية جماعية
– هوية وطنية أو قومية
2) البعد الثقافي للعولمة:
تسعى العولمة إلى تصدير وفرض القيم الليبرالية الغربية على كل أمم وشعوب والأرض، مما أدى وسيؤدي إلى نمذجة الثقافة العالمية وفق الثقافة الغربية الاشتراكية المحققة كما مثلتها بيروقراطية الاتحاد السوفياتي.
II: خصائص وعلاقة كل من العولمة والهوية الثقافية
1) خصائص العولمة والهوية الثقافية:
تسعى العولمة إلى خلق نظام عالمي نموذجي وموحد لا يقبل التمايزات ولا الخصوصيات، بينما تتميز الهوية الثقافية بخصائص التفرد والتعدد والاختلاف، فهناك ثلاث نماذج من الهويات الثقافية(9):
أ– هوية فردية: تدافع عن الاستقلالية والتميز الفردي داخل الطائفة.
ب– هوية جماعية: تدافع عن الخصوصيات المكونة للجماعة.
ج– الهوية الثقافية الوطنية: تفتخر بعناصرها الحضارية والثقافية المميزة لها عن باقي الأمم الأخرى.
2) العلاقة بين العولمة والهوية والثقافية
من بين اتجاهات العولمة، الاتجاه الثقافي الذي تندثر بمقتضاه الخصوصيات الثقافية وأنماط الاستهلاك أما نقل الثقافات الأخرى إلى المستوى العالمي. مما يسمح ببروز مفاهيم إنسانية مشتركة عابرة لكل المناطق وبالتالي فهدف العولمة الثقافية ليس هو خلق ثقافة عالمية واحدة بل هو خلق عالم بلا حدود الثقافة لكن من الملاحظ أن الثقافات الوطنية أصبحت تنصهر في ثقافة العولمة بهدف ترسيخ نمط ثقافي معولم تهيمن عليه قيم المجتمعات الأكثر تقدما. ومن جوانب تأثير العولمة الثقافية على ثقافة المجتمعات، هناك:
التأثير اللغوي: استعمال اللغات الغربية (الفرنسية – الأنجليزية) كلغات رسمية في مرافق الاقتصاد، التعليم…
التأثير الخلقي: انتشار مظاهر العنف والإباحية في وسائل الإعلام… مما تسبب في تدهور القيم ببعض المجتمعات التي لا تزال تحتفظ بقيم العفة والحشمة.
التأثير القيمي: تنميط القيم ومحاولة جعلها واحدة لدى البشر في المأكل والملبس والعلاقات الأسرية، وبين الجنسين. بالإضافة إلى نشر قيم الاستهلاك الرأسمالي(10).
III: مظاهر وآليات العولمة والثقافية وردود الفعل اتجاهها
1) آليات العولمة:
وسائل الاتصال والإعلام:
تتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الأنترنيت والجرائد والصحف والهاتف ووسائل الإعلام والاتصال والتواصل التي أصبحت تقرب المسافات عن طريق اختراق الحدود بفعل التكنولوجيا.
الوسائل التقنية:
كالسينما التي تهيمن فيها الأفلام الأمريكية المثيرة وتغلب عنها أفلام الرعب، بالإضافة إلى الموسيقى الغربية الصاحبة التي أصبحت أكثر انتشارا في كل دول العالم بفعل العولمة، بالإضافة إلى تمرير خطابات إلى الأطفال عبر الرسوم المتحركة.
الأدوات اللغوية:
تتمثل في استعمال اللغة الأنجليزية والفرنسية في التواصل والإعلام والتربية والتعليم، الصفقات والعلاقات الدولية…
2) مخاطر العولمة على الهوية الثقافية
في الثقافة:
تنميط ثقافي للعالم وفق الثقافة الغربية، وحدوث ردة فعل انغلاقية عند الشعوب الضعيفة.
في السلوك والقيم:
تدهور القيم والسلوك جراء الاختراق القيمي السلبي من خلال انتشار مظاهر العنف والإباحية في مختلف دول العالم، ونشر قيم الثقافة الاستهلاكية الرأسمالية.
في اللغة:
تراجع اللغات القومية لفائدة اللغات المهيمنة (الفرنسية والأنجليزية) في الإدارة والاقتصاد والتعليم والتربية والإعلام والتواصل.
خاتمة
إن الحدود بين الدول لا يمكنها أن تمنع العولمة الثقافية من الانتشار، لأنها ظاهرة تفرض نفسها بحكم النفوذ السياسي والضغط الاقتصادي والتغلغل المعلوماتي والإعلامي التي يمارسها النظام العالمي الجديد، لكن نستطيع أن نتحكم في الآثار السلبية لهذه العولمة إذ بدلت جهودا مضاعفة للخروج من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم والازدهار في المجالات كلها وليس فحسب في مجال واحد نظرا للترابط بين عناصر التنمية الشاملة ومكوناتها.
ومهما يكن من أمر، فإن الباحث ادريس الكريني حاول عبر هذا العنوان أن يحدد بعض المصطلحات باعتبارها استراتيجيات التي من خلالها تعرف الأزمات وإدارتها سواء كانت أزمات اقتصادية أو سياسية أو إنسانية فهي عابرة للحدود تنتظر التنظيم والتدبير المعقلن من أجل تحويلها إلى فرص يكون فيها الإنسان هو الخالق والمبدع لكل فعل تنموي.
إنجاز الدكتور
الغزيوي بوعلي
مختبر اللغة والفكر


قد يعجبك ايضا