يفتتح الفنان التشكيلي محمد مكوار معرضه الفني الجديد برواق باب الكبير التابع لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة- بقصبة الاوداية يوم الثلاثاء 10 شتنبر 2024 على الساعة السادسة مساء، تحت عنوان: “الطريق”، ويستمر في استقبال عشاق الفن التشكيلي إلى غاية يوم 24 من نفس الشهر.
إخراج الجسد من المادة حميد السالمي يقف الفنان أمام الصفحة البيضاء، يقف شامخا عينه على الأفق، يحاور نفسه إيمانه صبره موته وحياته، ماضيه ومستقبله، هو في حوار مع البياض مع الضوء والنور، اللوحة البيضاء تستفزه تسائل مشاعره تستميل حواسه، هو في صمت، يداه ترتعشان بملامسة اللوحة هو في لحظة صدق أشبه برقص المتصوف يمزق الجسد في دائرية لا تنتهي، هو في نشوة يشتم رائحة الجنة ويتذوقها.
وجدتني تائه الوجدان وصمتي يسائل أنامل الألوان يسائل الفنان الإنسان، رهبة الصمت أضفت ألوانا أخرى، فمداعبة الريشة للوحة تنتج لمعانا ضبابيا، يعدل قوة الخطاب ويمنحه عذوبة وشاعرية، يتعاقد فيها الفنان مع الوفاء والوحدة، ويتوافق مع الإيقاعات الطبيعية، يعبر عن العقد الحسي للجسد والطمأنينة والسعادة والحلم التي هي أصل الفطرة.
فالجسد عنده بقدر ما هو قيمة جوهرية في أعماله الفنية، فقد يصبح أحيانا تافها في دلالته التشخيصية، بإمكانه أن يذهب معنى الشيء، كما يمكنه أن يصبح جوهر هذا الشيء نفسه، وهنا بين تفاهة الجسد وأهميته تنمو لدى الفنان المقاربة التشكيلية التالية “إخراج الجسد من المادة”، كإخراج القوة من الفعل، فعن طريقه تتشكل المادة والصورة باعتبارهما عاملان مجددان له، كما أن هذا الأخير هو الذي يخلق الموضوع الجمالي الذي يستأثر بإدراكنا الحسي وبانفعالاتنا، أو على الأصح هو الوحدة التي تتألف من مجموعة من المعطيات الحسية باعتماد مبدأ: ما هو إحساس في الجسد هو أيضا إحساس في النفس، وما هو فعالية فيها هو أيضا فعالية في النفس؟ فهو يغور في عمق الموجودات في كليتها، ليخرج الجسد من سباته ومن نقصه إلى ما كان موجودا مقبعا في ذاته أصبح موجودا ومتحقق الفعل، فالزمان في لوحاته غدا أسرع، إيقاعا، والحركة أكثر عفوية، دونما اهتماما بالصقل الغرافيكى، والعين أكثر إدمانا للألوان، وأكثر عطشا دونما اهتمام بنظافة اللون أو صرامته، وانطلاقا من الطرح الجيوفكري، أتيحت لنا فرصة ولوج الفكرة المحركة والمختزلة لهذه التجربة المتفردة التي استمدت ميزتها من المعاش اليومي داخل المجتمع، جعل منها مدخلا لأسئلة وجودية متشعبة، تغرف من الماضي بتقاليده الراسخة انطلاقا من أشياء مادية ملموسة ومحددة لتصب في الحاضر بحمولته الحداثية والمعاصرة، على مستوى المفاهيم، كفكرة دشنت جدليتها بفضاء سيجده الفنان في الحوار مع ذاته.
تراكمت التجارب عند الفنان مكوار، فشكلت خزانا كبيرا جعل منه قاعدة أساسية لمعالجة تجربته التشكيلية الحالية والتي أبرزت البعد الديني والصوفي الذي يتصف به الفنان، فالمشروع ليس موضوع عمل بل هو معنى لحياة يطمع أن يشرك فيها كل من يلامسه أو يسمعه، يضع الفنان نفسه دوما في مواجهات صعبة يتحدى فيها نفسه ويتجاوزها باستمرار، هنا ندرك ثراء اللغة التشكيلية لدى الفنان وأبعادها الدلالية وإمكانية قراءتها من منظورات مختلفة، يتعهد فيها الفنان بالوفاء بما قطعه على نفسه من إشراك المتلقي إلى أن يجد نفسه داخل اللوحة.