الصحافة في أزمة .. والثقافة تعاني التهميش والتراجع

في ندوة أكاديمية الثقافة والعلوم حول “الصحافة وصناعة الثقافة”

الصحافة في أزمة .. والثقافة تعاني التهميش والتراجع

 

يبدو أن الصحافة والثقافة ستظل تعاني من التهميش والمشاكل ليس في مصر فقط بل في الدول العربية أيضا رغم انهما حائط  ضد التغريب والتهميش والذوبان التي تسعي اليه العولمة، وهما الحصن الحصين لصيانة الهوية والتراث الثقافي والانساني بل والوجني

هذا ما أكده المتحدثون في ندوة كلية اللغات والترجمة بأكاديمية الثقافة والعلوم بمدينة 6 اكتوبر بالقاهرة والتي نظمتها د.حنان منيب وكيل المعهد أن الصحافة والثقافة متلازمتين، ولا غني لأحدهما عن الاخرى لأنهما رافد وأساس للهوية الثقافية المصرية، وأشار المتحدثون الي دور الصحافة المصرية الرائدة والتي تعد أولى صحف المنطقة، ومع ذلك تعاني الآن من أزمة مادية ومعنوية وهيكلية لابد من حلها حتي تستطيع القيام بدورها الهام في الثقافة والتوجيه والتعليم والترفية، كما أن الثقافة تعاني من التهميش والتراجع وعدم اقبال الشباب على القراءة بسبب ارتفاع أسعار الكتب وطغيان وسائل التواصل الاجتماعي الذي يستقي منه الشباب معلوماتهم وحتى أفكارهم الأمر الذي ينذر بمشكلة تتعلق بالأجيال الناشئة حتي لا يقعوا فريسة التضليل من تلك الوسائل التي لا رقيب عليها.

وأشارت الندوة الي أهمية تدريس الثقافة في الجامعات المصرية، على أن تبدأ في أكاديمية العلوم والثقافة لانها الحارس على العقل الجمعي للشباب المصري وأساس للهوية الثقافية والحضارية

وأشار المتحدثون الى أزمة الصحافة التي تعيقها ديون مالية ومتأخرات فضلا عن الزيادة الرهيبة في أسعار الورق ومستلزمات الطباعة، وفي نفس الوقت كانت السلطة تضيق أحيانا بحرية الرأي والتعبير مما أدي لاغلاق صحف ومجلات أدبية كانت تعتبر منارات ثقافية لمصر والوطن العربي.

وشدد المتحدثون علي عدم الركون علي ريادة مصر سابقا لعناصر الثقافة من كتاب ومسرح وفيلم وأغنية، حيث لم يعد مناسبا الان، ويتم سحب البساط من تحت الثقافة المصرية لأسباب عديدة وتحديات مختلفة الأمر الذي يستلزم وضع استراتيجية للثقافة في مصر تراعي المستجدات في الوسائل والآليات وتصل الي شريحة الشباب بمفهوم وطني يعي ظروف الحاضر وآفاق المستبقل.

حضر الندوة كل من الدكتور اميل راحيموف قنصل جمهورية أذربيجان بالقاهرة، والمستشارة الاعلامية للسفارة الفرنسية بالقاهرة ايناس بن كريم، ومحمد المصري نائب رئيس تحرير الاهرام، ومحمد سلامة مدير عام التحرير بجريدة المسائية بمؤسسة اخبار اليوم ورئيس تحرير جريدة الدبلوماسي الجديد، ومحمد أبو الفضل رئيس صفحة القضايا والرأي بالاهرام، ومحمد بغدادي مدير تحرير صباح الخير ومستشار وزير الثقافة الاسبق.

حضر الندوة د سيد فتحي خاطر عميد المعهد، ود. حنان منيب حيث تم تكريم المتحدثين الذين أثروا الندوة بأفكارهم وأطروحاتهم، وتفضلت د.حنان منيب ود. سيد خاطر بتقديم شهادات التقدير ودروع التكريم للقمم الثقافية التي تفاعلت مع الشباب والطلاب.

أشار د اميل رحيموف قنصل أذربيجان أن الصحافة والثقافة صنوان، ولاغني عن أحدهما للاخرى، وأن الصحافة يجب أن تتميز بالخبر الدقيق والتحليل واحترام عقل القارئ والا تتحيز لطرف بل تنقل الحقيقة أيا كانت، وهذا للاسف، لم يتحقق مع قضية “نارجورنوكاراباخ” حيث قامت أرمينيا بالهجوم علي المدنيين الاذربيجانيين العزل من السلاح وقتلت الآلاف واستولت علي منطقة قاراباخ وسبعة مناطق اخري حولها، ولم يعط الغرب أهمية لذلك النزاع بسبب التوازنات الدولية. ومازالت أرمينيا تحتل الاراضي الاذربيجانية رغم قرارات مجلس الامن الاربعة بالانسحاب دون قيد أو شرط.

وتحدثت ايناس بن كريم المستشار الاعلامي للسفارة الفرنسية في مصر، فأشارت الي نشآة الصحافة في مصر علي يد نابليون بونابرت أثناء حملته علي مصر في 1798 فظهرت جريدة “كورير دي يلجبت” وصحف أخرى بالفرنسية والعربية قبل ظهور الوقائع المصرية في عهد محمد علي، وان العلاقات الثقافية بين مصر وفرنسا وثيقة جدا وتتمتع بالتنوع نظرا للحضارتين الفرنسية والمصرية التي تعتبر من أقدم الحضارات منذ عهد الفراعنة حتي الآن.

ونوه محمد أمين نائب رئيس تحرير الأهرام على دور الصحافة باعتباره ركنا أساسيا من أركان الثقافة في المجتمع المصري، وأن الاهرام حافظ علي نموذجه وسياسته وشكله الذي اعتبر أحد روافد تشكيل العقل المصري عبر مائة واربعين عاما.

وأكد أن الصحافة الورقية مهما طالتها المشاكل والأزمات خاصة بعد ثورات الربيع العربي، الا أنها سوف تستمر بشرط تحديث هياكلها المادية والمعنوية واتساقها مع قضايا المجتمع ومواكبة التطور والعصرنة، وأنها تتصدي للأضرار التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي التي تنشر بلا رقيب، وتعمل علي البلبلة، واثارة الرأي العام، وتحرف الانتباه عن قضايا المجتمع المركزية، فاستقاء الشباب للمعلومات المغلوطة يثير الشك والتناقض وعدم الايمان في المعلومة، فضلا عن تأثيرها الهدام على العلاقات بين الدول.

وبدأ محمد سلامة مدير عام التحرير بجريدة المسائية بمؤسسة أخبار اليوم ورئيس تحرير الدبلوماسي الجديد حديثه بالمراهنة علي الشباب باعتبارهم قادة الغد والذين سيتولون المسؤولية، ولذا لابد من التحدث معهم لمعرفة مشاكلهم، واذا كنا نعيب عليهم عدم القراءة فالعذر كل العذر لهم، فليس معقولا أن يكون سعر كتاب في تفسير القرآن الكريم الفا جنيه، فمن أين يأتي الشباب بكل هذه الأموال لشراء الكتب، يجب على الدولة أن تدعم الكتاب ووسائل الثقافة وأهمها القراءة وأن تكون مثل الغذاء، فغذاء العقول لايقل أهمية عن غذاء البطون حتي لايملؤه آخرون!.

وحول الصحافة والثقافة أشار محمد سلامة الى أن الصحافة مهنة البحث عن المتاعب، وهي رسالة قديرة، ولابد أن تنحاز للشعب ولقضاياه قبل انحيازها للسلطة، وكم رأينا ان الانحياز للسلطة يفقدها دورها الذي ترسخ وأصبح محوريا وجذريا، فالصحافة مازالت تتمتع بمنزلة خاصة لدي الكبار في السن، فالصحافة خاضت معارك كبيرة، وأسقطت حكومات ووزارات من أجل حرية الرأي والتعبير والدفاع عن الكرامة والعدالة، ودفعت ثمن ذلك إما بالمصادرة أو الاغلاق أو بإبعاد الصحفيين الأحرار عن تولي المواقع القيادية، والصحافة حاليا لم تعد مثل صحافة الستينات التي كانت تقوم على التعبئة والنظام السياسي الواحد وصحافة التوجيه، فلدينا الآن صحافة قومية وأخرى حزبية وغيرها مستقلة وخاصة، وهي احدي ركائز الثقافة في المجتمع المصري.

وأضاف: اذا كانت الصحافة تعاني من مشاكل وأزمات، فالثقافة ليست أسعد حظا منها، فلا يعقل أن تكون ميزانية البحث العلمي اتنين في المائة، ومثلها الثقافة التي يجب أن تصل الي القري والنجوع، فنحن نعبش فقرا في الترجمة لثقافة وكتب الآخرين، ولا نواكب المستحدثات الثقافية هنا وهناك باستثناء بسيط، وليس من المعقول ونحن نطالب بالثقافة أن تكون غذاء للعقول أن تقوم أسبانيا بحركة ترجمة نشطة، فما تترجمه في شهر واحد يعادل ما تترجمه الدول العربية في سنة كاملة.

وتابع: ومع ذلك علينا أن نفخر بثقافتنا العربية والاسلامية النابعة من حضارتنا، فهي القوة الناعمة التي استطاعت تعزيز قوة مصر وريادتها من كتاب ومسرح وفيلم وأغنية وحدت العرب من المحيط الي الخليج، بينما فشلت السياسة في ذلك، وقد شاهدت بنفسي تأثير المسلسلات المصرية والأغاني علي المشاهد المغربي، فأثناء عرض مسلسل “رأفت الهجان” كانت شوارع المغرب خالية من المارة لمتابعة الجيمع للمسلسل ومشاهدته ، كما رأيت صوت كوكب الشرق أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وعبد الوهاب في الشوارع والزنقات والحوانيت الأثرية والتاريخية في فاس ومكناس والدار البيضاء والرباط ومراكش وكأنني أسير في شوارع القاهرة، تلك هي ريادة مصر الثقافية التي تم تجريفها، ولابد من مواكبة العصر، وتحديث وسائل الثقافة في ايصال المعلومة والفكرة بأسلوب مستحدث يجذب ولا ينفر. ان الأهم والخلاصة أنه يجب وضع استراتيجية للثقافة تعي الدور المنوط بها في تشكيل العقل الجمعي وتكوين الهوية الثقافية.

وتحدث محمد بغدادي مدير تحرير صباح الخير ومستشار وزير الثقافة الأسبق عن دور مجلة صباح الخير في الثقافة، وكيف أن مجلات أدبية عديدة أغلقت لاسباب مختلفة أبسطها عدم الايمان بالثقافة ودورها في المجتمع، وحاليا يفضل أصحاب المطابع طبع أغلفة علب السجائر عن طباعة الكتب بعد الارتفاع الرهيب في أسعار الورق ومستلزمات الطباعة، وأشار الي أن ميزانية برامج الطبخ تفوق ميزانية البرامج الثقافية، ولابد من النهوض بالثقافة عبر دعمها ماديا ومعنويا لانها سلاح في مواجهة الارهاب البغيض، فالكلمة الحرة والثقافة تغنينا عن كتيبة أمنية.

وأخيرا شرح محمد أبو الفضل رئيس صفحة القضايا والرأي وكيفية الاهتمام بقضايا المجتمعة، وان الاهرام كقلعة صحفية تنشر كل الاراء والافكار والمقالات بكل توجهاتهم، وأن الصحف لارقيب عليها الا ضمير الصحفي ولارقيب علي الصحفي الا ضميره، وطالب أبو الفضل باتاحة المعلومة، واصدار قانون تداول المعلومات، حتي لا تنتشر أكاذيب التواصل الاجتماعي ويظن الشباب أنها معلومة صحيحة.

محمد سلامة 

كاتب صحفي 

رئيس تحرير جريدة الدبلوماسي الجديد


قد يعجبك ايضا