“ماجوريل” جمال الطبيعة وغموضها في حديقة ساحرة ينبض بها قلب مراكش الحمراء

تورية عمر :الثقافة المغربية الأوروبية /مراكش

لا يختلف اثنان على أن مراكش هي تلك المدينة الحمراء التي تستقطب الزوار إليها من كل حدب وصوب، هي تلك العاصمة الساحرة بجمال مزجت فيه بين الطبيعة الخضراء  وجمال التراث التقليدي المغربي، وتلك اللمسة الروحانية التي يشعر الزائر بها بمجرد دخوله إليها، ذاك الجو المنبعث من رجالاتها السبع، وهو من بين الأمور التي تجعل تقوده للبحث عن فرصة ذهبية للعودة إليها مرة أخرى وقضاء أروع الأوقات فيها .

حديقة ” ماجوريل ” بصمة طبيعية تمتاز بها المدينة الحمراء

من بين الأشياء الرائعة التي تتميز بها العاصمة الحمراء عن باقي المدن المغربية، بالإضافة إلى مآثرها التاريخية المتعددة والمتنوعة التي تستقبلك بصدر رحب، والذي يعد أولها سور المدينة العتيق، نجد تلك الفضاءات الخضراء الموجودة بكل مكان فيها، حيث تبقى دائمة الخضرة صيفا وشتاء، وهي الملاذ الرئيسي لعشاق الطبيعة وقتما حلوا بها، سواء تعلق الأمر بالزوار المغاربة أو الأجانب، من بينها حديقة “ماجوريل” التاريخية التي ارتبط اسمها بكنية صاحبها الأصلي وهو الرسام الفرنسي ” جاك ماجوريل ” ابن مصمم الأثاث الشهير ” لويس ماجوريل “.

و تمتد هذه الحديقة على مساحة تفوق 9000 متر مربع، وتقع بالقرب من شارع يعقوب المنصور في شمال شرق باب دكالة، وتفتح أبوابها يوميا من الساعة 8 صباحا حتى 5:30 مساء، من 1 أكتوبر إلى 30 أبريل، ومن الساعة 8 صباحا حتى 6 مساء من 1 مايو حتى 30 سبتمبر، ويبلغ سعر تذكرة الدخول 30 درهما (نحو 4 دولارات) وتستغرق الزيارة نحو 3 ساعات، وتفتح أبوابها أمام عشاق التميز والطبيعة الساحرة الراغبين في الاستمتاع بالجمال الذي يصف عظمة الخالق.

 حديقة ” ماجوريل ” الساحرة خطفت قلب صاحبها قبل أن تخطف قلب الزائر

يعود تاريخ تأسيس هذه الحديقة إلى سنة 1924، حيث حصل ” جاك ماجوريل ” على قطعة أرضية في تلك الحقبة وسط المدينة الحمراء، وقرر أن يقيم فيها حديقته الساحرة والمميزة التي تعد من أفخم الحدائق وأرقاها، وقد نجح في تحويلها إلى قبلة للسياح وزوار المدينة، وفي عام 1931 كلف ماجوريل المهندس المعماري بول سينوير بتصميم وبناء فيلا تكعيبية بالقرب من منزله الأول.

 وقد استخدم في تلك الأثناء الطابق الأرضي كورشة عمل، والطابق الثاني كمرسم، وبينما يواصل الرسم تعمق ” جاك ماجوريل” أيضا في شغف من نوع آخر، وهو شغف الاهتمام بعلم النبات، وأصبحت الحديقة  كل شيء بالنسبة له حيث قال عنها: “هذه الحديقة بالغة الأهمية بالنسبة لي، والتي أعطي نفسي لها بالكامل، وأقبل أن أقضي سنواتي الأخيرة فيها، وأقع منهكا تحت أغصانها، بعد أن أعطيها كل حبي”.

إلا أن ذلك لم يدم طويلا حيث تعرض ” جاك ماجوريل” لحادث سير خطير تسبب له في بتر ساقه وعدة أعراض كانت السبب في وفاته بباريس، ما أدى إلى تدهور حال الحديقة  ولم تعد تمتاز ببريقها المعتاد ، إلى أن حل بها مصمم الأزياء الفرنسي إيف سان لوران” الذي قرر شرائها والاهتمام بها وإعادة ترميمها وتحويلها إلى تحفة فنية ساحرة تخطف الأنظار وتسحر العيون والقلوب، مع الحفاظ على تصميمها وشكلها وهدفها الأصلي ، إذ أنها عادت حديقة ساحرة لما تحمله من لمسات رائعة تتكون من متاهة من الأزقة المتقاطعة على مستويات مختلفة، إضافة إلى مبان تمتاز بألوانها الفريدة والجريئة من نوعها والتي لن تجد لها مثيلا، إلا في هذه الحديقة الساحرة، إذ أنها تمزج بين التأثيرات الفنية والديكور المتنوع الذي يجمع بين الخامات التقليدية والبربرية .

سحر النباتات النادرة ساهم في جعل الحديقة متحفا تاريخيا بيئيا

هذه الحديقة الساحرة لا تقتصر فقط على تلك المباني المميزة التي تجمع بين اللمسة المغربية التقليدية والغربية ، التي استطاع صاحبها -الذي قرر الاستقرار بالمغرب، حيث وقع حبه على المدينة الحمراء لتكون الملاذ الذي اختاره – أن يتقن فن تزاوجها وجعلها مميزة ونادرة، وإنما تتميز أيضا بنباتات متعددة ومختلفة ونادرة والتي قام ” ماجوريل ” بزراعتها على مدار 40 عاما حيث تمكن من اختيار 135 نوعا منها وجلبها من 5 قارات وحول بفضلها حديقته إلى فضاء لا مثيل له يحمل أنواعا من النباتات النادرة حول العالم ، ولا يمكن أن تجدها إلا بحديقته الزرقاء الساحرة..

وتتمثل النباتات النادرة التي توجد بحديقة ” ماجوريل ” في مجموعة من أنواع الصبار الرائعة واليوكا والياسمين فضلا عن أنواع نادرة من النخيل وأشجار جوز الهند التي لا يمكن أن تجدها إلا في هذه الحديقة المميزة، دون نسيان أشجار من الموز وزنابق الماء الأبيض والخيزران بنوع نادر وغيرها من النباتات الرائعة التي تضاعف عددها إلى أكثر من 300 نوع من النباتات التي قد تراها لأول مرة في حياتك إذا ما قررت أن تتجه إلى هذه الحديقة وتخصصها بزيارة منك أثناء تواجدك بالعاصمة الحمراء.

هندسة معمارية وألوان جريئة جعلت الحديقة فريدة من نوعها

لا تمتاز حديقة ” ماجوريل ” بهندستها المعمارية أو نباتها النادر فقط، وإنما تمتاز أيضا بألوانها الرائعة والجريئة التي لا يمكن أن تراها في مباني مراكش سوى بالحديقة، حيث اختار ” ماجوريل ” لونه المفضل في طلاء مباني الحديقة وهو اللون الأزرق الزهري الذي أصبح الآن لونا يأخذ اسم صاحب الحديقة بالمدينة وبين سكانها، فبمجرد أن تسمع اللون ” الأزرق ماجوريل ” يتبادر للدهن مباشرة دون أن تحتاج إلى شرحه أكثر ، فهو أكثر شهرة من أنواع الأزرق الأخرى بمدينة النخيل ، إضافة إلى لمسة خاصة زين بها مجموعة من الأركان والقطع الفخارية وهو اللون الأصفر الفاقع، دون نسيان اختياره للمسة السيراميك المغربي التقليدي باللون الأحمر الداكن الذي اعتمده في أرضية الحديقة ، مع خامة مع الفسيفساء الملونة ،وهو المزيج الرائع الذي يحاكي في تناغم جميل أرجاء الحديقة وفضاءاتها.

تنوع واختلاف وتميز حول ” ماجوريل ” من مكان خاص إلى قبلة للسياح والفنانين

الاختلاف والتنوع في النباتات وفي التصميم الداخلي الذي تمتاز به هذه الحديقة جعلها قبلة للسياح والزوار الباحثين عن جمال الطبيعية وسحرها وعن التميز فيها، من كل أنحاء العالم،كما أنها قبلة لأشهر الفنانين العالميين، وكل عشاق الفن والطبيعة إذ أنها تتوفر بالإضافة إلى ما ذكر، على متحف إسلامي يضم أشهر القطع التقليدية التي تعود لحقب تاريخية قدرت بآلاف السنين، إضافة إلى توفرها على مكتبة غنية ومليئة بمجموعة من الكتب والمراجع المعروضة أمام الزوار، الذي يصل عددهم في اليوم الواحد إلى ألف زائر يقصدونها من كل ربوع العالم، ومنهم من يأتي إلى مراكش خصيصا لاكتشاف هذا العالم الساحر الذي جمع مجموعة من الخصائص الفريدة والمتنوعة، ومنهم من يضعها ضمن برنامجه الخاص بزيارة المدينة الحمراء، خاصة أن أبوابها تكون مفتوحة في وجه الكل بثمن رمزي بالإضافة إلى مميزات خاصة للوفود السياحية والعائلات .

اكتشف عالم ” ماجوريل ” الساحر وعش لحظات بين أحضان طبيعة خرافية

لتقوم بزيارة خاصة لهذا العالم الساحر والخرافي الذي يسحر القلب ويسر العين، والذي يتميز بعبق التاريخ بروح تشعر بها بمجرد دخولك المكان، يكفي أن تشد رحالك صوب مراكش، لتكتشف جمال الطبيعة على أصوله، وسحر النباتات الذي لا يذبل ولا يموت، في حديقة نثر فيها رماد جثمان “إيف سان لوران ” بعد وفاته وحسب وصيته، حيث تجد ياسمين الحديقة بجماله وطيبه طيلة العام، وبياض الفل الذي يحاكي تاريخ الحديقة على مدار الأيام وقطرات الندى تلك المتواجدة على غصينات ريحانها تراها ثابتة لا تأبى السقوط، وحركة سمكها الذي يسبح داخل البرك بروعة لا يمكن أن تغيب عن ذاكرتك بعد زيارتها واكتشافها والتي تناديك مرات ومرات لتكرر الزيارة مرة أخرى .


قد يعجبك ايضا