تورية عمر : الثقافة المغربية الأوروبية /مراكش
لا يختلف اثنان على أن ” قصر البديع ” هو تلك المعلمة التاريخية الأكبر والأقدم المتواجدة بقلب المدينة الحمراء، وهي عبارة عن أيقونة قديمة تحاكي الزمن الجميل، وتعبر عن أريج يسافر بك إلى تاريخ قديم ترغب في زيارته واكتشاف معالمه وخصائص التي بقيت راسخة في ذهن كل شيخ مراكشي، وعجوز مراكشية، وترغب في اكتشافها والتعرف عليها والتقرب منها لتكون واحد من بين المسافرين إلى تلك الحقبة التاريخية الفريدة من نوعها.
قصر البديع معلمة تاريخية في موقع استراتيجي بقلب مراكش
كما أن قصر البديع يعد المكان المخصص لتنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية المغربية والدولية ، إضافة إلى كونه معلمة مهمة في مراكش تستقطب الزوار إليها من كل حدب وصوب وفي كل الأوقات لا سيما أن موقعها الاستراتيجي بحي ” الملاح القديم ” ساهم في هذا الجذب الكبير، والذي يجعلها قريبة من كل مرافق المدينة التي لا تحتاج إلى وسيلة نقل بل يمكن الاستمتاع بجمالية المناظر والمعالم التي تمتاز بها المدينة والتنقل بينها بكل سهولة وبساطة وبدون الشعور بالملل .
لا يقتصر قصر البديع على تنظيم الأنشطة الثقافية التي عهدها المغاربة في فضاءاته الكبيرة والشاسعة التي بمجرد دخولها لا سيما عند حضور إحدى تلك الأنشطة، بل تجد النسيم العليل يلطف الجو أيضا ليمنحك راحة نفسية وأنت جالس هناك، مصحوبا برائحة الياسمين التي تسابق الزمن لتكون رفيقة لك طيلة استمتاعك بأروع اللحظات بين أحضان قصر البديع الذي يحج إليه الزوار من كل أنحاء العالم لاكتشاف تاريخه وخصائص الثقافية والتراثية وأيضا الطبيعية التي يتميز بها ، وهي مجموعة متنوعة ومتناغمة فيما بينها تشكل تمازجا لا يمكن أن يجتمع إلا في قصر البديع.
قصر البديع معلمة تاريخية مهمة لساكنة مراكش وزوارها
رغم الإهمال الذي طال مجموعة من الأماكن والفضاءات بهذه المعلمة التاريخية والدمار الذي شهده جزء منه والخراب الذي طاله أيضا في بعض الأرجاء جراء مجموعة من العوامل، حولت جزء من القصر إلى أطلال وبقايا قصر، إلا أن هذا لم يشكل فرقا لدى عشاق التاريخ والمآثر التاريخية، حيث كان الإقبال عليه وظل ومزال، ما سرع التدخل لسريع لإنقاذ ما تبقى من هذه المعلمة التاريخية العتيقة التي تعد قبلة للزوار الأجانب من خارج المغرب والمغاربة أيضا من داخله.
إعادة ترميم ” قصر البديع ” ساهم في الحفاظ عليه رغم مرور السنين
ورغم الانهيارات التي عرفتها بعض أجزائه إلا انه يعد مهما جدا بالنسبة لسكان المدينة وزوراها ، لا سيما انه يحكي تاريخا قديما يعود لحب زمنية ولت وعدت، إلا أنها ما تزال راسخة في قلوب وعقول المراكشيين ولهذه المدينة العريقة ويقدم تعريفا مهما على الأصالة المغربية والثقافة القديمة والهندسة المعمارية التي لا يمكن أن تجد لها مثيلا في مختلف البلدان العالمية ، فهو متعدد الفضاءات والخصائص المميزة التي يمكن أن نبدأها من تلك الجدران العالية والضخمة بلون الطين البني الذي يميز القصر، والتي طبعت ثقافته وجماليته الخاصة والتي تعتبر حصنا محصا له .
الهندسة المعمارية داخل وخارج القصر تعبر عن براعة المهندسين عبر التاريخ
كما أن جدران قصر البديع تعبر عن مدى براعة وإتقان المهندسين الذين سهروا آنذاك على تصميم هذه المعلمة والوقوف على عملية بنائها بإتقان عام 1578 ، والتي استمرت 16 عاما على يد السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي بعد شهور قليلة من توليه حكم البلاد وتحقيقه انتصار هائلا على البرتغاليين في معركة وادي المخازن حيث أمر ببنائه واتخاذه من مراكش عاصمة للبلاد ، و جعل من هذا القصر مكانا لاستقبال أعيان البلاد والشخصيات المهمة، خاصة أن القصر جمع بين كل ما هو تراثي وتاريخي ولمسات مغربية عريقة ومساحات شاسعة وحدائق هائلة وغنية بكل أنواع الشجر الذي زاد من براعة المكان ورونقه وسحر الخاطف للأنظار.
تنوع وتعدد الخصائص بالقصر يدل على الذوق الرفيع لأحمد المنصور الذهبي
قصر البديع يتميز بمجموعة من الخامات المغربية التي ما تزال تعطيه تلك الجمالية الراقية إلى حدود الآن ، والتي تميز في تصميمها وبنائها أمهر المهندسين العالميين والمغاربة الذين تم اختيارهم من طرف السلطان المنصور الذهبي، عن كثب، ونظرا لما يحتويه من زخارف ونقوش ولمسات جد مميزة وراقية أطلق عليه من طرف المؤرخين والجغرافيين القدامى بإحدى عجائب الدنيا ، لا سيما أنه يتكون من 20 قبة تختلف كل واحدة عن الأخرى في تصميمها الهندسي العريق ولمساتها التقليدية المختلفة والمميزة بنقوشها وزخارفها وخاماتها المغربية المميزة التي ما تزال من الخصائص المعتمدة في البناء والهندسة المغربية الإسلامية ، هذا ويتكون القصر كذلك من العديد من المخازن والغرف التي تمت زخرفته كذلك بمجموعة من الخامات واعتماد تشكيلات هائلة من الزخارف واللمسات الثقافية المغربية ، فضلا عن وجود مسجد القصر الذي حث السلطان آنذاك على بنائه من أجل أداء فرائض الصلاة.
فضاءات متعددة وأماكن متنوعة داخل القصر منحته مكانة مرموقة عبر التاريخ
ودون أن ننسى الإشارة أيضا إلى أن الفضاءات المتعددة للقصر تتكون من الساحة المركزية المهمة بمساحة الشاسعة التي تتوسط القصر، وتخاطب كل زائر للقصر وتقول له أهلا وسهلا بك وبمن معك داخل القلب النابض بالمدينة شعبية ترحب بكل زوارها، إذ أن هذه الساحة تتميز بتصميم رائع وساحر وهندسة معمارية لا تخلو من الرقي والجمالية ، والتي تزيده رونقا لا مثيل له ، كما أنها ساحة تمنح إطلالة مميزة وفريدة من نوعها لكافة الغرف والأجنحة والقبات المتواجدة في القصر لا سيما أنها تتوفر على تلك اللمسات البيئية الخضراء من أشجار ونباتات ، هذا بالإضافة إلى الصهريج المائي الكبير الذي يتوسطها والذي يصل طوله إلى 90 مترا وعرضه 20 مترا .
قصر البديع مزج بين الطبيعة والهندسة والثقافة والفن والبيئة
كما أن للقصر أربعة صهاريج مائية جانبية أخرى تميز تلك الساحة الفسيحة والت تتخذ أشكالا مستطيلة على شكل مسابح مائية ، تمت زخرفتها وتزيينها بجمالية الزليج المغربي والفسيفساء الفاسي ذو الألوان المختلفة والراقية وبأشكاله الهندسية العريقة والتاريخية التي ما تزال تلمع بجماليتها حتى الآن ، فضلا عن تلك الحدائق الكبيرة والشاسعة التي تم اعتمادها في القصر سواء في السطح أو تحت سطح الأرض بحوالي 3 أمتار تحتوي على مجموعة وتشكيلة من الأشجار المتنوعة بين الليمون والزيتون فضلا عن باقات متنوعة ومختلفة من الأزهار التي تنتشر في المكان وتعطيه تلك الانتعاشة والجمالية التي ما يزال القصر يحافظ عليها إلى اليوم مما يجعله تلك القبلة لعشاق المآثر التاريخية القديمة والعتيقة وعشاق الثقافة المغربية التي تختلف من مدينة إلى أخرى والتي تعتبر مراكش عاصمتها .
جمالية قصر البديع وموقعه الاستراتيجي جعلته فضاء لتنظيم تظاهرات وطنية ودولية
وبفضل ما يتوفر عليه هذا القصر التاريخ من خصائص جمع فيها ما هو طبيعي وبيئي وتاريخي وثقافي وفني وسياحي، فضلا عن الموقع الاستراتيجي الذي يتميز به، ساهم هذا كله في اختياره كمكان رئيسي ليس فقط لاستقبال السياح وإمتاعهم بما يتميز به وتعريفهم وتقريبهم من التاريخ المغربي العريق، بل حتى لتنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية الدولية منها “مهرجان الفنون الشعبية ” و”مهرجان مراكش للضحك ” فضلا عن كونه فضاء يخصص لتنظيم معظم الحفلات والملتقيات والتظاهرات والأنشطة العالمية والدولية كتنظيم “الحفل الخيري الدولي” من طرف مؤسسة لالة سلمى لعلاج داء السرطان الذي يحضره شخصيات عالمية من مختلف المجالات ، إضافة إلى كونه معلمة تاريخية تفتح أبوابها أمام الزوار من كافة الجنسيات وفي كل الأوقات ، فضلا عن اختياره من قبل المخرجين العالميين والمغاربة لتصوير أكبر الأعمال السينمائية العالمية التي لاقت نجاحا كبيرا منها فيلم : عبدو عند الموحدين” وغيرها من الأفلام التي لاقت نجاحا.